بلاغة القسم في سورة البلد

القسم بالبلد الحرام
﴿لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ .وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴾
أقسم سبحانه بمكة البلد الحرام،وما بعده على أن الإنسان خلق مغموراً في مكابدة المشاق والشدائد .وقال أبن حيان :)) أقسم بها لما جمعت من الشرفين ، شرفها بإضافتها إلى الله تعالى ، وشرفها بحضور رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقامته فيها ، فصارت أهلاً لأن يقسم بها .))أقسم بالبلدة– مكة- مع أنها لا تدل على صفة من صفات الذات الإلهية ولا من صفات أفعاله كناية عن تعظيم الله تعالى إياه وتفضيله. والقسم بالبلد الحرام ، الذي هو سكن النبي صلى الله عليه وسلم ،يبلغ ببلاغاته التعظيم والتكريم لشأن النبي صلى الله عليه وسلم ومقامه الرفيع عند ربه ، ولفت أنظار الكفار إلى أن إيذاء الرسول في البلد الأمين ، من أكبر الكبائر عند الله تعالى .واعترض بين القسم وجوابه قوله : ﴿ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴾أي: وأنت حلّ به في المستقبل تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر... وفيه تثبيت من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وبعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة ، وتعجيب من حالهم في عداوته ،وتسليته عليه الصلاة و السلام بالوعد بفتحه(6) ووعيد الكافرين وبشارة الموقنين به ، وقد نقول لما كرر تعالى﴿ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴾في الآيتين ولم يقل (وانت حِلٌّ به) على الإضمار ؟ والجواب(( تكرار كلمة (البلد) لتعظيم بلد الله الحرام ، ولأن البلد المقصود به مكّة وهو بلد حرام لا يسفك فيه دمٌ ولا يروّع فيه آمن ولكن الله تعالى أحلّ لرسوله صلى الله عليه وسلم في يوم الفتح أن يفعل ما يشاء من قتل أو أسر فكأنما البلد صار غير البلد في يوم الفتح فأصبح له صفتان: حالة الحلّ وحالة الحرب وكأنه أصبح بلدين فكرّر سبحانه كلمة البلد لتكرار الوصف))
﴿ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾ ثم يقسم الله عز وجل بالوالد وما ولد واختلف المفسرون في الوالد هذا وما ولد.،وفي بيان دلالاتهما البلاغية: فاذا ما كان المقصود بالوالد آدم والولد ذريته فمكمن بلاغة القسم التعجب من كثرتهم ، أو مما خص به الْإِنْسَاْن من خواص البشر ، كالنطق والعقل وحسن الصورة ، واذا ما كان المقصود بالوالد إبراهيم وما ولد جميع ولد إبراهيم فمكمن بلاغة القسم.. التعريض للتنبيه بالمشركين من ذرية إبراهيم بأنهم حادوا عن طريقة أبيهم من التوحيد والصلاح والدعوة إلى الحق وعمارة المسجد الحرام قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾
وقوله:﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ جواب القسم . والمعنى لقد خلقنا الإنسان في تعب ومشقة ،من كبد الرجل كبدا إذا وجعت كبده ومنه المكابدة والإنسان لا يزال في شدائد مبدؤها ظلمة الرحم ومضيقه ومنتهاها الموت وما بعده وهو تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم مما كان يكابده من قريش
____________
ينظرالكشاف ، وتفسيرالبحر المحيط ، وتفسيرالتحريروالتنوير، وصفوة التفاسير ،ولمسات بيانية:فاضل صالح السامرائي ، تفسير القاسمي ،و تفسير البيضاوي ، والقرطبي .

» تفسير سورة الفلق
» تفسير سورة النبأ
» تفسير سورة القيامة للشيخ صالح بن عبد العزيز